عين فربه… رمز الإهمال والتهميش في زمن “عصرنة المدن” - وكالة الحوض للأنباء

عين فربه… رمز الإهمال والتهميش في زمن “عصرنة المدن”

بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي ./. نواكشوط، 20 سبتمبر 2025 الموافق 27 ربيع الأول 1447 ه – من غير المعقول أن بلدية ريفية مثل عين فربه تعيش منذ خمس سنوات دون سيارة ...
Image

بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي ./.

نواكشوط، 20 سبتمبر 2025 الموافق 27 ربيع الأول 1447 ه

من غير المعقول أن بلدية ريفية مثل عين فربه تعيش منذ خمس سنوات دون سيارة إسعاف، ليس لأنها لم تُوفَّر أصلاً، بل لأن السيارة الوحيدة التي كانت موجودة تعطلت وأُخذت من طرف السلطات لإصلاحها، ومنذ ذلك الحين لم تُعد إلى الخدمة ولم يتم استبدالها. وهكذا ظلّت حياة المواطنين مهددة، لأن الوصول إلى أقرب نقطة صحية في الطينطان يتطلب وسيلة نقل سريعة غائبة تماماً.

أسئلة مشروعة

  • من يتحمل مسؤولية أرواح المرضى الذين يموتون على الطريق لغياب وسيلة نقل؟
  • وأي طريق سلكتها سيارة الإسعاف العاطلة منذ أن أُخذت بدعوى الإصلاح؟

وعود لم تتحقق

منذ سنة 2022، أعلنت الحكومة عن تشييد طريق معبدة يربط الطينطان بعين فربه واطويل، لكن هذا المشروع ظلّ مجرد حبر على ورق. ومع كل تأجيل تتفاقم عزلة هذه البلدية، حيث تظل الطرق الترابية الوعرة عائقاً أمام الحركة والتنمية.

معاناة يومية

إلى جانب غياب الطريق وسيارة الإسعاف، يواجه سكان عين فربه مشكلة المياه المالحة التي تُستعمل للشرب في غياب بدائل صحية، إضافة إلى غلاء المعيشة الذي يرهق الأسر الفقيرة.
والمفارقة المؤلمة أن هذه المنطقة تمتلك أراضي خصبة، وتقع في ملتقى الطرق بين موريتانيا وجمهورية مالي، مما يجعلها مؤهلة لتكون منطقة تنموية وزراعية وتجارية بامتياز.

ومع ذلك، تبدو عين فربه وكأنها شبح خارج أي استراتيجية إنمائية، فلا أثر لأي مشروع جاد للنهوض بالمنطقة. وبدلاً من أن تكون قطباً اقتصادياً يوفّر فرص العمل لسكانها، يجد شبابها أنفسهم مرغمين على الهجرة خارج البلاد بحثاً عن لقمة العيش، بعدما تحولوا إلى ضحايا للتهميش والإقصاء.

مبررات سقطت… ومعاناة باقية

قد يُقال إن تعطّل مشاريع البناء في المأمورية الأولى كان له ما يبرّره تحت وطأة جائحة كورونا التي شلّت العالم بأسره، غير أنّ الزمن تغيّر والمعطيات انقلبت رأساً على عقب.
فاليوم تعيش البلاد انفتاحاً غير مسبوق على الممولين الدوليين، بالتوازي مع انطلاقة إنتاج الغاز في بداية العام الجاري، وهو حدث استراتيجي يُفترض أن يفتح أبواب التنمية على مصراعيها.

فبأي منطق إذن تبقى عين فربه أسيرة العزلة والحرمان، وكأنها خارج حدود الدولة؟
إن لم تحظَ هذه البلدية بلفتة جادة وسريعة تُنقذها من وضعها البائس وتوفّر لها أبسط مقومات الحياة، فسيكون الأمر كارثياً، إذ ستفرغ من سكانها ويُدفع شبابها قسراً إلى الهجرة واليأس.

والمؤلم أنّ المشروع الوحيد الذي كان قد يمنح سكانها بصيص أمل خلال المأمورية الأولى — مشروع الواحات — تحوّل إلى خيبة، فلم يستفد منه الأهالي شيئاً، بينما جنى غيرهم أرباحه تاركاين منشآت متهالكة لا حياة فيها ولا تنمية.

صورة للحرمان

.كل هذه الظروف مجتمعة تجعل من عين فربه رمزاً للمعاناة والحرمان، في وقتٍ نشهد فيه العصرنة .
والمفارقة أن هذه الجهود التنموية لا تشمل بلديات ريفية تعيش عزلة قاتلة، وكأن العدالة مجرد شعار، بينما يبقى آلاف المواطنين خارج دائرة الاهتمام في القرن الواحد والعشرين.

نداء أخير لا نداء بعده

لقد طُرحت هذه المطالب مراراً وتكراراً عبر مختلف الوسائل، من شكاوى مكتوبة ونداءات شفوية ووسائط إعلامية محلية ووقفات شعبية ونواب وعمد، لكن دون أن تلقى آذاناً صاغية أو خطوات عملية تُخرج عين فربه من دوامة التهميش.

إن سكان هذه البلدية لا يطلبون المستحيل، بل يطلبون حقهم المشروع في الحياة الكريمة: طريق معبدة تربطهم بباقي البلاد، ماء صالح للشرب، سيارة إسعاف تنقذ الأرواح، ومشاريع تنموية تخلق فرص العمل وتمنح الأمل للشباب بدل دفعهم للهجرة.

فلعل هذا النداء الصادق والأخير يجد من يشفق على هذه الساكنة المهمّشة، ويدرك أن التنمية الحقيقية لا تقاس بعدد الأرصفة في المدن الكبرى، بل بمدى وصولها إلى أبعد نقطة من الوطن حيث يواجه الناس الحياة بأبسط الوسائل وأضعف الإمكانات.

ويبقى السؤال الكبير مطروحاً: هل بعد مأمورية كاملة وعام ونصف من المأمورية الحالية للرئيس محمد الشيخ الغزواني، ما زال هناك أمل أن تتحسن الأمور ويُنصف سكان عين فربه؟
فإلى متى يبقى هؤلاء المواطنون خارج دائرة الإنصاف، ينتظرون تنمية لا تصل ووعودا لا تتحقق؟

ن

 اقرأ المزيد على الرابط :                   https://www.elhodh.info/


شائع

اترك تعليقك