في الخامس عشر من ديسمبر سنة ألفين وواحد وعشرين (٢٠٢١)، دخل قانون رقم ٠٢١–٢٠٢١ المتعلق بـحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن حيّز التنفيذ في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، بعد مصادقة الجمعية الوطنية عليه يوم التاسع من نوفمبر من نفس السنة. جاء هذا القانون في سياق تصاعدت فيه موجة من الانتقادات اللاذعة والمسيئة – في كثير من الأحيان – لشخص رئيس الجمهورية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبرته السلطات تجاوزًا لحرية التعبير إلى الإساءة والانفلات الأخلاقي وتهديدًا للسلم الأهلي.
نصوص القانون: بنود واسعة ومصطلحات فضفاضة
يتكون القانون من مجموعة من المواد، أبرزها:
- المادة الأولى: تُجرّم كل إساءة أو مساس يتم عبر وسائط الإعلام أو تقنيات الاتصال الرقمي بثوابت الدين الإسلامي، أو الوحدة الوطنية، أو الحوزة الترابية، أو رموز الدولة، أو شرف المواطن.
- المادة الثانية: تحدد العقوبات بالسجن من سنتين إلى أربع سنوات، وغرامة مالية من مائتي ألف (٢٠٠٬٠٠٠) إلى خمسمائة ألف (٥٠٠٬٠٠٠) أوقية جديدة لكل من ينشر محتوى من شأنه الإضرار بهذه الرموز أو يُضعف هيبة الدولة.
ويشمل ذلك ما يُعتبر “إهانة أو تحقيرًا” للدين الإسلامي، أو المساس برئيس الجمهورية، أو تحريضًا ضد القوات المسلحة أو رموز السيادة. - المادة الثالثة: تعاقب بالسجن من سنة إلى سنتين، وبغرامة من ثمانين ألف (٨٠٬٠٠٠) إلى مائتي ألف (٢٠٠٬٠٠٠) أوقية جديدة، كل من ينشر أو يبث تسجيلات صوتية أو مرئية أو صورًا لأشخاص دون إذنهم، إذا كان ذلك بنية الإضرار بكرامتهم أو تشويه سمعتهم.
- المادة الخامسة: تُمنع تصوير أو نشر صور القوات المسلحة وقوات الأمن دون إذن مسبق من الجهات المختصة، حفاظًا على “الروح المعنوية” ومكانة المؤسسة العسكرية. وتُسلط على المخالفين عقوبات بالسجن والغرامة.
دوافع إصدار القانون
تقول الحكومة إن القانون جاء استجابة لحاجة وطنية للحد من الانفلات الإعلامي والرقمي، بعد أن تصاعدت حملات وصفها المسؤولون بـ”الممنهجة” ضد رئيس الجمهورية، تناولت شخصه وعائلته ومحيطه بأساليب تمس الأخلاق العامة، واستُخدمت فيها وسائل التواصل لنشر خطاب الكراهية والتحريض العرقي والديني.
ويؤكد المدافعون عن القانون أنه لا يستهدف حرية التعبير، بل يُراد به وضع حد للتجاوزات الخطيرة التي تهدد السلم الاجتماعي وتمس الرموز السيادية.
موقف المعارضين: حرية مهددة
واجه القانون منذ طرحه موجة واسعة من الرفض الشعبي والسياسي، خصوصًا من قِبل أحزاب المعارضة، وجمعيات المجتمع المدني، ونقابات الصحفيين. ويعتبر هؤلاء أن القانون:
- يُكرّس تقديس الحاكم عبر تجريمه لأي انتقاد لرئيس الجمهورية، واعتباره “رمزًا وطنيًا“.
- يخلط بين النقد السياسي المشروع و”التحقير”، مما يعطّل الرقابة الشعبية والإعلامية.
- يُستخدم كأداة لقمع الأصوات الحرة، خاصة على منصات مثل فيسبوك وتويتر.
- يستعمل عبارات فضفاضة مثل “المساس بالهيبة” و”ثوابت الأمة”، ما يفتح الباب أمام التأويل الانتقائي والانتقامي.
وقد انسحب نواب المعارضة من جلسة المصادقة في التاسع من نوفمبر ألفين وواحد وعشرين، واعتبروا أن تمرير القانون كان إجراءً أحاديًا يعكس نزعة سلطوية متصاعدة.
توصيات المنتدى الدولي لحقوق الإنسان
في مواجهة هذا التوجه، أصدرت المنظمات الحقوقية الدولية توصيات واضحة تدعو إلى مراجعة القانون أو إلغائه، ومن أبرزها:
- المنتدى الدولي لحقوق الإنسان طالب بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا الرأي والتعبير.
- منظمة الوصول الآن دعت إلى التراجع عن تجريم المحتوى الرقمي المرتبط بالنقد السياسي أو الاجتماعي.
- المنظمة المادة ١٩ شددت على ضرورة تحديد دقيق للمفاهيم القانونية، وإلغاء كل ما من شأنه تقييد حرية التعبير بما يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقّعت عليه موريتانيا.
- كما طالبت هذه المنظمات بأن تُعالج الإساءات الرقمية إن وجدت ضمن قوانين الإعلام أو محاربة خطاب الكراهية، لا عبر قوانين “الرموز” التي غالبًا ما تُستغل سياسياً.
يُمثل قانون حماية الرموز الوطنية في موريتانيا سابقة في تغليظ العقوبات المرتبطة بالنشر والتعبير، ويتميّز باتساع دائرة “الرموز” لتشمل الدين، الرئيس، المؤسسات الأمنية، والشرف الشخصي، في مزيج غير مسبوق بين ما هو ديني وسياسي واجتماعي.
ورغم أن حماية السلم الاجتماعي وهيبة الدولة هي غايات مشروعة، فإن مراجعته تظل ضرورة ديمقراطية ملحّة لضمان التوازن بين هيبة الدولة وحرية التعبير.
وإلى حين تحقيق هذه المراجعة، تبقى حرية المواطن الموريتاني رهينة تأويل قانون قد يعتبر منشورًا ساخرًا أو ناقدًا “مساسًا بالرموز”… يستوجب العقاب.
📌 اقرأ المزيد على الرابط :https://www.elhodh.info/