هل وصلنا فعلًا إلى سُرّاق المال العام؟ - وكالة الحوض للأنباء

هل وصلنا فعلًا إلى سُرّاق المال العام؟

في تصريحٍ لافت، قال الناطق باسم الحكومة إنّ المشمولين في تقرير محكمة الحسابات لم يُتَّهموا باختلاس المال العام، بل اقتصرت مخالفاتهم على أخطاءٍ إدارية وتسييرية، مؤكدًا أنّ ما ...
Image

في تصريحٍ لافت، قال الناطق باسم الحكومة إنّ المشمولين في تقرير محكمة الحسابات لم يُتَّهموا باختلاس المال العام، بل اقتصرت مخالفاتهم على أخطاءٍ إدارية وتسييرية، مؤكدًا أنّ ما يُتداول عن مبالغ تقارب 400 مليار أوقية “لا أصل له”.

لا شكّ أنّ هذه التصريحات تأتي في سياق تهدئة الرأي العام، وهي في ظاهرها خطوة مسؤولة لتجنّب التسرّع في إصدار الأحكام، وترك المجال للقضاء ليقول كلمته. لكنّها تطرح في المقابل سؤالًا جوهريًا:
إذا كانت التهم مجرد “أخطاء إدارية”، فهل يعني ذلك أنّنا لم نصل بعد إلى جوهر الفساد المالي الذي أرهق البلاد؟

لقد فهمنا من تصريح الناطق باسم الحكومة أنّ المشمولين في التقرير ليسوا هم سُرّاق المال العام الحقيقيين، وهو ما يجعل الكرة الآن في ملعب الرئيس الذي تعهّد بمحاربة الفساد بلا هوادة.
فالمطلوب اليوم ليس الاكتفاء بإقالاتٍ مرتبطةٍ بأخطاءٍ إداريةٍ فحسب، بل تشكيل آلية قوية وشفافة لاستخراج المفسدين الحقيقيين من بين الصفوف، ومحاسبتهم علنًا، لأنّ الأمر لا يحتمل المجاملة.

والمفسدون الذين نعنيهم هم أولئك الذين يحترفون العبث بالمال العام من خلال الصفقات المبالغ فيها، والمشاريع الوهمية، والمؤسسات التي تُدار على الورق فقط.
هم الذين يمنحون العقود لمن لا يستحقها، ويُنفّذون مشاريع ضخمة لا تصمد عامًا واحدًا:
مدارس تتداعى جدرانها بعد أشهر، وطرقٌ تتشقّق وهي ما تزال في طور الإنجاز، وسدودٌ تنهار عند أول هطولٍ للأمطار في موسم الخريف، لتغمر القرى بدل أن تحميها، ومستشفيات تُجهَّز بأجهزةٍ غير صالحة كلفت خزائن الدولة ملايين الأوقية، وآبارٌ تُحفر دون تخطيطٍ فتجفّ بعد أسابيع، ومبانٍ حكومية تُشيَّد على عجلٍ ثم تُهجر وكأنها لم تكن.

وفي النهاية، يبقى المواطن هو من يدفع الثمن — من جيبه، وصحّته، ومستقبل أبنائه، وهو يرى ثروات بلاده تُهدر بين أيادي من جعلوا من الفساد مهنةً ومن المال العام غنيمةً يتقاسمونها في الظل.

حينذاك يكون للتعهد معنى

حين يُلقى القبض على المفسدين الحقيقيين وتُستعاد الأموال المنهوبة، يكون لتعهد الرئيس معنىً ووزنًا، ويشعر المواطن أنّ العدالة لم تعد شعارًا بل واقعًا.
عندها فقط، ستعود هيبة الدولة، وسيُستعاد المال العام إلى مكانه الطبيعي في بناء المدارس والمستشفيات والطرق بدل أن يُنهب في الصفقات والعمولات.
وحينها سينتصر القانون على المحسوبية، ويشعر الموظف الشريف بالأمان، والمستثمر النزيه بالثقة، والمواطن البسيط بأنّ جهده لا يضيع في جيوب الفاسدين.

إنّ القضاء على الفساد ليس مجرد مطلب سياسي أو شعبي، بل هو بوابة التنمية الحقيقية، لأنّ كل أوقية تًستردّ هي مدرسة تُبنى، ومستشفى يُجهَّز، وطريقٌ يُعبَّد، وفرصة عمل تُخلق.
فبقدر ما يُستأصل الفساد، تُزرع الثقة، وتُستعاد العدالة، ويقوى الوطن من الداخل.

.هؤلاء المفسدين هم من نريد أن نراهم خلف القضبان؛ لأنّهم أهدروا أموال الأمة وأفقروا شعبها.
إنّ السكوت عنهم أو التهاون في ملاحقتهم يعني استمرار الحلقة المفرغة من الفساد، وبقاء الوطن رهينةً لأقليةٍ تحترف النهب تحت غطاء الشرعية والمناصب، وبحماية النفوذ والعلاقات، وبمساندة الصمت الإداري والتواطؤ البيروقراطي.
أولئك الذين جعلوا من المؤسسات دروعًا تقيهم العدالة، ومن القوانين مظلاتٍ تُخفي جرائمهم، ومن الولاءات سلّمًا يصعدون به فوق المحاسبة.

لقد أضعنا أربع سنواتٍ ثمينة في ملف العشرية الذي رُوِّج له كعنوانٍ لمحاربة الفساد، لكنه انتهى إلى تبرئة أغلب المتهمين بعد أن أُنفقت فيه الجهود والسنوات.
وها نحن اليوم نُعيد النهج نفسه مع مشمولين جدد متهمين بأخطاءٍ تسييرية، وقد نقضي سنواتٍ أخرى نلاحق التفاصيل دون أن نصل إلى جوهر الفساد.

إنّ محاربة الفساد لن تنجح ما لم يُشرك فيها المواطن نفسه، ذاك الذي عاش مرارة نتائجه في واقعه اليومي.
فبدون مشاركته في المراقبة والمساءلة، ستظل الحرب على الفساد شعارًا يتكرّر بلا أثرٍ، وعدالةً مؤجلةً لا تطال المفسدين الحقيقيين
.

بقلم: المهندس الحاج سيدي إبراهيم
المدير الناشر لوكالة الحوض للأنباء

تصريح الناطق باسم الحكومة حول مضمون تقرير محكمة الحسابات:

 اقرأ المزيد على الرابط https://www.elhodh.info/                  


شائع

1 التعليقات
  • يقول * * * $3,222 deposit available * * * hs=55998ec6c82b384ea41a30b17b748155* ххх*:
    تعليقك في انتظار المراجعة. هذه معاينة؛ سيكون تعليقك مرئيًا بعد الموافقة عليه.
    qcvi9v
  • اترك تعليقك