التعديلات الدستورية… ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل - وكالة الحوض للأنباء

التعديلات الدستورية… ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل

تتردّد في بعض الأوساط أحاديث محتشمة عن احتمال إدخال تعديلات دستورية جديدة، وكأنّ الأمر مجرد نقاش قانوني عابر. غير أن واقعنا المتأزّم يجعل من هذا الموضوع أولوية وطنية ملحّة، لا ...
Image

تتردّد في بعض الأوساط أحاديث محتشمة عن احتمال إدخال تعديلات دستورية جديدة، وكأنّ الأمر مجرد نقاش قانوني عابر. غير أن واقعنا المتأزّم يجعل من هذا الموضوع أولوية وطنية ملحّة، لا خيارًا ثانويًا. فبلادنا لم تعد بحاجة إلى رتوش شكلية، بل إلى إصلاح دستوري جذري يعيد للدولة توازنها وللمؤسسات اعتبارها.

ويأتي هذا الحديث في سياق الحوار الوطني المرتقب؛ ذلك الحوار الذي لن تكون له أي نتيجة تُذكر إن لم يُلامس أساس الأزمة ويعيد رسم علاقة السلطة بالمجتمع والدولة. أما إذا دار الحوار بعيدًا عن جوهر الإشكال، فسيظل مصيره مصير حوارات سابقة: لقاءات شكلية تُدوّر الأزمة ولا تُعالجها.

وانطلاقًا من مسؤوليتنا في الإسهام الجاد في هذا المسار، نقترح أن تنصبّ المرحلة الأولى من الحوار على نقطتين محوريتين:

  1. النظام الرئاسي.
  2. مدة المأمورية الرئاسية.

وقد ناقشنا هاتين المسألتين كثيرًا في السابق، لكن الظروف الراهنة تجعل من الضروري إعادة التذكير بهما لما لهما من أثر مباشر في مستقبل الدولة.

أولًا: النظام الرئاسي

النظام الرئاسي، في أصله، يقوم على فصل صارم للسلطات:
رئيسٌ يمارس السلطة التنفيذية، وبرلمانٌ يشرّع ويُحاسب، وقضاءٌ مستقل يفصل في النزاعات دون تأثير أو ضغط.
غير أن التجربة عندنا أفرغت هذا التصور من محتواه.

ومما يزيد الوضع تعقيدًا أن الدستور الموريتاني مستنبط في جوهره من الدستور الفرنسي، لكن الجانب الأهم في النموذج الفرنسي – وهو الضوابط الدستورية والسياسية التي تكبح سلطة الرئيس وتمنع تغوّله – غير موجود لدينا. فنحن استعرنا الشكل وتركنا الجوهر.

لقد أدى تركيز السلطات كلها في يد رجل واحد إلى خلل بنيوي ضرب الدولة في عمقها.
فالرئيس يتحكم في القضاء، ويمسك بالسلطة التنفيذية، ويوجّه العملية التشريعية، ويهيمن على الأجهزة الأمنية، ويمدّ نفوذه إلى سلطة الرقابة التي يُفترض أن تكون الحاجز الأخير أمام الانحراف.

ومع هذا التمركز الخطير، يتحول المسؤول الأول إلى كيان أثمن من الماء والكهرباء كما كان الحال مع الرئيس السابق، وتصبح مؤسسات الدولة مجرد امتداد لإرادته.

بل يتجاوز الأمر ذلك؛ فعندما تُختزل الدولة في شخص، يصبح أقرباؤه والمقربون منه أصحاب نفوذ غير مكتوب، يمارسون من السلطة ما يكفي لـ”يعيثون في الأرض فسادًا” دون أن يملك أحد القدرة على محاسبتهم.
ويتحول القانون إلى نص بلا روح، وإلى قواعد لا محل لها من الإعراب في واقع تُدار فيه الدولة بمنطق الولاء، لا بمنطق المؤسسات.

ثانيا: مدة المأمورية الرئاسية

من أهم الإصلاحات التي يجب أن يتناولها الحوار الوطني تحديد مدة المأمورية الرئاسية بصورة تضمن التداول وتمنع التمكين.

ونقترح هنا:

4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.

لماذا أربع سنوات؟

  • لأنها مدة كافية لتنفيذ برنامج حكومي واضح.
  • ولأنها قصيرة بما يكفي لمنع استشراء النفوذ وترسّخ الحكم الفردي.
  • ولأن التجديد مرة واحدة فقط يضمن استقرارًا سياسيًا محدودًا يمنع الرئاسة من التحول إلى إقامة دائمة.
  • ولأن هذا النموذج أثبت نجاحه في عدة ديمقراطيات حديثة.
  • ولأنه يخلق دورة سياسية صحية ويمنح فرصًا حقيقية لتجديد النخب وضخّ دماء جديدة.

إن أي حوار وطني لا يعالج طبيعة النظام السياسي، ولا يضع حدودًا دستورية صارمة للسلطة الرئاسية، ولا يضمن استقلالًا للرقابة، ولا يحدد مأموريات واضحة، سيظل حوارًا مبتورًا لا يُنتج إصلاحًا.
إن مستقبل الدولة يتطلب شجاعة دستورية تذهب إلى عمق المشكلة، وتعيد بناء المنظومة على أساس التوازن والفصل والمساءلة
.

فالتعديلات الدستورية ليست مطلبًا نخبويًا، ولا رفاهًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية تستحق أن تُطرح بوضوح وأن تُناقش بصراحة، لأن مستقبل الدولة أهم من مستقبل أي شخص.

بقلم المهندس الحاج سيدي ابراهيم سيدي يحي

:اقرأ المزيد على الرابط https://www.elhodh.info/


شائع

اترك تعليقك