بقلم: المهندس الحاج سيدي إبراهيم سيدي يحيى
قسم التحرير – وكالة الحوض للأنباء
نواكشوط – موريتانيا
تجسد العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الموريتانية نموذجًا فريدًا من التعاون العربي المبني على الأخوة الصادقة والتكافل العملي، فقد تجاوزت المساعدات الإماراتية لموريتانيا حدود العواصم والمدن الكبرى، لتصل إلى القرى النائية والبوادي المعزولة، حيث كان المواطن بحاجة ماسة إلى يد تمتد إليه بالدعم والخير.
مساعدات إنسانية تخفف المعاناة
في أوقات الأزمات، كانت الإمارات في مقدمة الداعمين، كما حدث خلال فيضانات 2024، حيث أُرسلت مساعدات عاجلة إلى العائلات المتضررة في الداخل الموريتاني، تضمنت الغذاء، والمأوى، والمستلزمات الضرورية. كما دعمت الإمارات موريتانيا خلال أزمة جائحة كوفيد-19 بثلاث طائرات محمّلة بأطنان من المواد الطبية وأجهزة التنفس وأدوات الكشف، استفاد منها آلاف من المواطنين.
وخلال شهر رمضان من كل عام، ترسل الإمارات طرودًا غذائية إلى الأسر المحتاجة، لا تقتصر على العاصمة نواكشوط، بل تصل إلى مناطق ريفية تعاني من الهشاشة والبعد عن مراكز الخدمات.
مشاريع تنموية واستثمارية استراتيجية
وقد أعلنت دولة الإمارات في عام 2020 عن تخصيص ملياري دولار لدعم مشاريع تنموية واستثمارية في موريتانيا، وهو استثمار يعكس متانة العلاقة وعمق الرؤية الاستراتيجية في التعاون الاقتصادي.
كما أنشأت الإمارات، من خلال هيئة الهلال الأحمر ومؤسساتها الخيرية، أكثر من 80 مشروعًا خيريًا في موريتانيا في عام 2025، شملت:
- بناء المساجد
- توفير المياه الصالحة للشرب
- كفالة الأيتام
- دعم التعليم
- تجهيز المراكز الصحية
دعم فردي إماراتي مباشر
إلى جانب المشاريع الرسمية، يبذل محسنون إماراتيون أفراد جهودًا استثنائية داخل البلاد، حيث يُشرفون على بناء المساجد، وشق الآبار، وتوزيع المساعدات الغذائية والطبية في المناطق النائية.
هذا التغلغل الإنساني العميق يُعد سمة فريدة لدور الإمارات، التي لا تكتفي بالمساعدات الحكومية فقط، بل تُفعّل التكافل الشعبي والخيري ليصل إلى المواطن مباشرة، دون تعقيد ولا وساطة.
دعم صحي مستمر ومركز زايد… نموذج للعطاء
في المجال الصحي، لا يمكن الحديث عن الدعم الإماراتي دون الإشارة إلى مركز الشيخ زايد للصحة في نواكشوط، الذي يُعدّ واحدًا من أهم وأرقى المؤسسات الصحية في موريتانيا.
تم تشييده بتمويل إماراتي خالص، وهو يُجسد بشكل ملموس بصمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في بناء الإنسان ورفع معاناة الضعفاء.
يُقدم المركز خدمات طبية مجانية لآلاف المرضى سنويًا، وساهم في تخفيف الضغط عن المستشفيات، ووفّر بيئة علاجية متميزة، وأصبح مرجعًا طبيًا موثوقًا لدى المواطنين.
طاقة متجددة تُنير الأمل
في مجال الطاقة، نفذت الإمارات مشاريع طموحة في موريتانيا، من أبرزها محطة الشيخ زايد للطاقة الشمسية بقدرة 15 ميغاواط، إلى جانب ثماني محطات أخرى في الداخل، ما ساهم في تحسين ولوج المواطنين إلى الكهرباء في مناطق كانت معزولة عن الشبكة الوطنية.
تصنيع لتحرير الاقتصاد وتثبيت النمو
لكنّ التعاون بين البلدين لا ينبغي أن يتوقف عند المساعدات، بل لا بد أن يتطور ليشمل نقل التجربة الإماراتية الناجحة في التصنيع والاستثمار المستدام، بما يعزز مناعـة الاقتصاد الموريتاني.
تحتاج موريتانيا إلى شراكة إماراتية في الصناعات الاستراتيجية، حيث يمكن للإمارات دعم إنشاء:
- مصانع لتحويل الحديد الخام إلى مواد قابلة للتصدير ذات قيمة مضافة.
- وحدات لمعالجة الغاز الطبيعي وتطوير الصناعات البتروكيميائية.
- مجمعات لتصنيع وتعليب الأسماك بدل تصديرها خامًا.
- منشآت زراعية لتحويل المنتجات إلى مواد غذائية جاهزة ومعلبة.
- مصافي لتكرير الذهب وإنشاء ورش لصناعة الحلي والمعادن الثمينة.
إن هذا التوجه نحو التصنيع سيمكن موريتانيا من التخلص من التبعية لتمويلات صندوق النقد الدولي، التي أضعفت النمو وزادت الفقر، وأبقت البلاد رهينة لتصدير المواد الخام، دون قدرة على تثبيت ثروتها محليًا.
نحو شراكة استراتيجية تجعل من موريتانيا قطبًا اقتصاديًا
إن العلاقات بين الإمارات وموريتانيا، بما تحمله من ثقة ومصداقية وتجذر تاريخي، قادرة على أن ترتقي إلى مستوى شراكة استراتيجية شاملة، تجعل من موريتانيا قطبًا اقتصاديًا رائدًا في غرب إفريقيا، مستفيدة من موقعها الجغرافي وثرواتها الهائلة، ومن الخبرات والاستثمارات الإماراتية العالمية.
ويمكن لهذا النموذج أن يتحول إلى مثال يحتذى به عربيًا وإفريقيًا، يُظهر كيف تُبنى الشراكات على أساس الأخوة الصادقة، لا على منطق التبعية والنهب.
دروس من تجربة فاشلة سابقة
تجدر الإشارة إلى أن موريتانيا سبق أن خاضت تجربة شراكة مع إحدى الدول الشقيقة، في مشاريع استثمارية كبرى، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا بسبب غياب الرؤية، وتحول الشراكة إلى مجرد اتفاقات سياسية شكلية. بل أدت تلك التجربة إلى استنزاف مالي، وترك مصانع متهالكة لا تعمل، وأعباء ديون دون عوائد اقتصادية حقيقية..
لذا فإن الدرس المستفاد هو أن النجاح لا يكون بالشعارات، بل بوجود شريك موثوق يمتلك الإرادة والخبرة والرؤية. وهو ما تتوافر فيه دولة الإمارات، التي أثبتت نجاحًا باهرًا في تحويل الشراكات التنموية إلى منصات إنتاج وتصدير وخلق وظائف في عشرات الدول.
من التكافل الإنساني إلى شراكة تحفظ الكرامة وتصنع المستقبل
وإذ تعبّر موريتانيا عن امتنانها، فإنها تتطلع إلى تطوير هذه العلاقة إلى شراكة استراتيجية عميقة، تُخرج البلاد من منطق “المساعدات ” إلى نموذج تنموي حقيقي قائم على الإنتاج والتصنيع والتكامل الاقتصادي.
إننا في موريتانيا، وقد جربنا مرارة التعاون مع بعض الشركاء الذين لا يرون في خيراتنا إلا وقودًا لبناء اقتصاداتهم، ندرك اليوم أن الأمن الاقتصادي لا يتحقق إلا بشراكات عادلة، مثل تلك التي يمكن أن نبنيها مع الإمارات. شراكات تُثمر مصانعًا، وفرص عمل، ونقلًا للتكنولوجيا، وتحولًا في نمط التفكير الاقتصادي.
شراكات تجعل من مواردنا مصدر قوة لنا، لا وسيلة لإثراء غيرنا، وتؤسس لمستقبل تُبنى فيه موريتانيا بإرادة أبنائها، وسند إخوتها، لا على حساب كرامتها ولا بخضوعها لمن يريدون استنزافها دون تنميتها.
📌 اقرأ المزيد على الرابط :https://www.elhodh.info/